ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

أخلاق الأبوين ودينهما ميراثان يرثهما الأبناء منهما

15:17 - August 26, 2023
رمز الخبر: 3492467
بيروت ـ إکنا: إن أخلاق الأبوين ودينهما ميراثان يرثهما الأبناء منهما، فعلى الأبوين أن يصنعا من أبنائهما أناساً كاملين، ولا تكتمل إنسانية الإنسان إلا إذا كَمُلَت أخلاقه، فهو يساوي أخلاقه، فإن سمتَ سَما، وإن سَفُلَت سَفُلَ، وهذا ما يجب أن يتنبَّه إليه الأبوان، وهما مسؤولان عنه بين يدي الله تعالى.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "خَيْرُ ما وَرَّثَ الآباءُ الْأَبْناءَ الْأَدَبُ".

حُبُّ الوالدين لأولادهما أمر مركوز في فطرتهما، ولعله يرجع إلى حُبِّهما لنفسيهما، والولد في الحقيقة هو نفس والديه، وامتداد طبيعي لهما في الحياة، فبه يبقيان فيها وإن كانت أبدانهما في التراب وأرواحهما في الملأ الأعلى، وهذا الحُبُّ يدفعهما إلى حِفظه ورعايته وحِفظ مصالحه، وجلب النفع إليه ودفع الضُّرِّ عنه، وتعليمه، وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة له، وإنهما ليعانيان في سبيل ذلك المَتاعب، ويواجهان المخاطر، وقد يمتنعان عن تناول الطعام ليأكل وعن شرب الماء ليشرب، وعن النوم لينام، ويشقيان ليرتاح، ويكِدان طوال حياتهما ليوفِّرا له ما يحتاج في مستقبل أيامه، ويدخران له ما يعينه على متطلبات الحياة، وقد يبخلان على نفسيهما ليجمعا له ثروات منقولة وغير منقولة. 

إن من الآباء من يصرف جُلَّ اهتمامه إلى الجمع والادخار له ولأولاده، يبتغي من ذلك أن يطمئن إلى مستقبله ومستقبلهم، بل تراه يُفني حياته في طلب الثراء والغِنى، يشتري العقارات، والأسهم في الشركات، يريد أن يوَرِّث أولاده من بعده، فيلهيه ذلك عن الأهم وهو تربيتهم تربية إيمانية سليمة، وتأديبهم بالآداب الفاضلة.

إن توريثَ المال للأولاد خير بلا شك، لكن الأهم من المال توريثهم الأخلاق الفاضلة والآداب السامية، لأن المال تفنيه الأيام، والأخلاق تزداد مع الأيام، والمال ينفعهم في دنياهم وييسر لهم حياتهم المادية، أما الدين والأخلاق فينفعانهم في دنياهم وآخرتهم، والمؤمن أشدُّ الناس حرصاً على الآخرة التي هي الحياة الحقيقية، والسعادة فيها هي الأهم، وهناك لا ينفعهم مالٌ الدنيا كلها إلا إذا أنفقوه في طاعة الله، ولا تكون منهم طاعة لله إلا إذا رباهم أبواهم على ذلك.   

إن أخلاق الأبوين ودينهما ميراثان يرثهما الأبناء منهما، فعلى الأبوين أن يصنعا من أبنائهما أناساً كاملين، ولا تكتمل إنسانية الإنسان إلا إذا كَمُلَت أخلاقه، فهو يساوي أخلاقه، فإن سمتَ سَما، وإن سَفُلَت سَفُلَ، وهذا ما يجب أن يتنبَّه إليه الأبوان، وهما مسؤولان عنه بين يدي الله تعالى، بل بين يدي الناس أيضاً، لأن الأولاد ودائع الله في أيديهما، فإذا قام الوالدان بتوريثهم الأخلاق الفاضلة فقد أدّيا واجبهما، وحفِظا أمانة الله، وإذا قصَّرا في ذلك فقد خانا الأمانة، وضيعا وديعة الله.

إن ميراث الوالدين لا يقتصر البَتَّةَ على المال، بل هناك ما هو أهم بكثير، وهو تلك الآداب الراقية الحَسَنة التي يرثها الأولاد من والديهم، وتلك الوصايا الجليلة والعادات الحسَنة، والحكم الخالدة والسيرة الطَّيِّبة التي يتعلموها من والديهم فيتابعونهما على ذلك بعد مماتهم، من قبيل إطعام الجائع، وإقراء الضيف، ومساعدة الفقير، وتطبيب المريض، والصدق في القول، وحفظ الأمانة، وأداء الحقوق إلى أهلها، وصَون الحُرُمات، والدفاع عن المقدسات، والاهتمام بالشَّعائر، وسوى ذلك من السُّنَنِ الحَسَنة التي ندب إليها العقل والشرع. 

ما تقدم هو الميراث الأَهَمُّ الذي يجب أن يُورِّثه الأبوان لأبنائهما، وهذا مقدور عليه من جميع الآباء.

أما ما يُخلِّفه الأبوان من المال فقد لا يكون مقدوراً عليه من جميع الآباء، إذ قد يكون الأب فقيراً أو من ذوي الدَّخل المَحدود، أو قد تضطرُّه الحياة إلى أن ينفق ما كان قد ادَّخَره، أما التربية الإيمانية والروحية والأخلاقية فكلٌّ قادر عليها، وخَلْقُ الهِمَّة العالية في نفوس الأبناء وبَثِّ روح الأمل والتفاؤل وتقوية ثقتهم في نفوسهم، وتدريبهم على تدبير مَعيشتهم، وتربيتهم على العمل والجِدِّ والكدح والسعي، كل ذلك يُساعدهم على النجاح في الحياة، وهذا الميراث هو الذي يُسعفهم ويقويهم ويضعهم على صراط النجاح الدنيوي والأخروي.   

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha